سورة العلق - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العلق)


        


{عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}
فيحتمل أن يكون المراد علمه بالقلم وعلمه أيضاً غير ذلك ولم يذكر واو النسق، وقد يجري مثل هذا في الكلام تقول: أكرمتك أحسنت إليك ملكتك الأموال وليتك الولايات، ويحتمل أن يكون المراد من اللفظين واحداً ويكون المعنى: علم الإنسان بالقلم مالم يعلمه، فيكون قوله: {عَلَّمَ الإنسان ما لَمْ يَعْلَمْ} بياناً لقوله: {عَلَّمَ بالقلم} [العلق: 4].


{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أكثر المفسرين على أن المراد من الإنسان هاهنا إنسان واحد وهو أبو جهل، ثم منهم من قال: نزلت السورة من هاهنا إلى آخرها في أبي جهل. وقيل: نزلت من قوله: {أَرَأَيْتَ الذي ينهى * عَبْداً} [العلق: 9] إلى آخر السورة في أبي جهل.
قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء أبو جهل، فقال: ألم أنهك عن هذا؟ فزجره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: والله إنك لتعلم أني أكثر أهل الوادي نادياً، فأنزل الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزبانية} [العلق: 17، 18] قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله، فكأنه تعالى لما عرفه أنه مخلوق من علق فلا يليق به التكبر، فهو عند ذلك ازداد طغياناً وتعززاً بماله ورياسته في مكة. ويروى أنه قال: ليس بمكة أكرم مني. ولعله لعنه الله قال ذلك رداً لقوله: {وَرَبُّكَ الأكرم} [العلق: 3] ثم القائلون بهذا القول منهم من زعم أنه ليست هذه السورة من أوائل ما نزل.
ومنهم من قال: يحتمل أن يكون خمس آيات من أول السورة نزلت أولاً، ثم نزلت البقية بعد ذلك في شأن أبي جهل، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضم ذلك إلى أول السورة، لأن تأليف الآيات إنما كان يأمر الله تعالى، ألا ترى أن قوله تعالى: {واتقوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} [البقرة: 281] آخر ما نزل عند المفسرين ثم هو مضموم إلى ما نزل قبله بزمان طويل القول الثاني: أن المراد من الإنسان المذكور في هذه الآية جملة الإنسان، والقول الأول وإن كان أظهر بحسب الروايات، إلا أن هذا القول أقرب بحسب الظاهر، لأنه تعالى بين أن الله سبحانه مع أنه خلقه من علقة، وأنعم عليه بالنعم التي قدمنا ذكرها، إذ أغناه، وزاد في النعمة عليه فإنه يطغى ويتجاوز الحد في المعاصي واتباع هوى النفس، وذلك وعيد وزجر عن هذه الطريقة، ثم إنه تعالى أكد هذا الزجر بقوله: {إِنَّ إلى رَبّكَ الرجعى} [العلق: 8] أي إلى حيث لا مالك سواه، فتقع المحاسبة على ما كان منه من العمل والمؤاخذة بحسب ذلك.
المسألة الثانية: قوله: {كَلاَّ} فيه وجوه:
أحدها: أنه ردع وزجر لمن كفر بنعمة الله بطغيانه، وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه.
وثانيها: قال مقاتل: كلا لا يعلم الإنسان إن الله هو الذي خلقه من العلقة وعلمه بعد الجهل، وذلك لأنه عند صيرورته غنياً يطغى ويتكبر، ويصير مستغرق القلب في حب الدنيا فلا يتفكر في هذه الأحوال ولا يتأمل فيها.
وثالثها: ذكر الجرجاني صاحب النظم أن كلا هاهنا بمعنى حقاً لأنه ليس قبله ولا بعده شيء تكون {كَلاَّ} رداً له، وهذا كما قالوه في: {كَلاَّ والقمر} [المدثر: 32] فإنهم زعموا أنه بمعنى: أي والقمر.
المسألة الثالثة: الطغيان هو التكبر والتمرد، وتحقيق الكلام في هذه الآية أن الله تعالى لما ذكر في مقدمة السورة دلائل ظاهرة على التوحيد والقدرة والحكمة بحيث يبعد من العاقل أن لا يطلع عليها ولا يقف على حقائقها. أتبعها بما هو السبب الأصلي في الغفلة عنها وهو حب الدنيا والاشتغال بالمال والجاه والثروة والقدرة، فإنه لا سبب لعمى القلب في الحقيقة إلا ذلك.
فإن قيل: إن فرعون ادعى الربوبية، فقال الله تعالى في حقه: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} [طه: 24] وهاهنا ذكر في أبي جهل: {ليطغى} فأكده بهذه اللام، فما السبب في هذه الزيادة؟ قلنا: فيه وجوه:
أحدها: أنه قال لموسى: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} وذلك قبل أن يلقاه موسى، وقبل أن يعرض عليه الأدلة، وقبل أن يدعي الربوبية.
وأما هاهنا فإنه تعالى ذكر هذه الآية تسلية لرسوله حين رد عليه أقبح الرد.
وثانيها: أن فرعون مع كمال سلطته ما كان يزيد كفره على القول، وما كان ليتعرض لقتل موسى عليها السلام ولا لإيذائه.
وأما أبو جهل فهو مع قلة جاهه كان يقصد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وإيذاءه.
وثالثها: أن فرعون أحسن إلى موسى أولاً، وقال آخراً: {ءامَنتُ} [يونس: 90].
وأما أبو جهل فكان يحسد النبي في صباه، وقال في آخر رمقه: بلغوا عني محمداً أني أموت ولا أحد أبغض إلي منه.
ورابعها: أنهما وإن كانا رسولين لكن الحبيب في مقابلة الكليم كاليد في مقابلة العين، والعاقل يصون عينه فوق ما يصون يده، بل يصون عينه باليد، فلهذا السبب كانت المبالغة هاهنا أكثر.


{أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)}
ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الأخفش: لأن رآه فحذف اللام، كما يقال: أنكم لتطغون أن رأيتم غناكم.
المسألة الثانية: قال الفراء إنما قال: {أَن رَّءاهُ} ولم يقل: رأى نفسه كما يقال: قتل نفسه لأن رأى من الأفعال التي تستدعي اسماً وخبراً نحو الظن والحسبان، والعرب تطرح النفس من هذا الجنس فنقول: رأيتني وظننتني وحسبتني فقوله: {أَن رَّءاهُ استغنى} من هذا الباب.
المسألة الثالثة: في قوله: {استغنى} وجهان:
أحدهما: استغنى بماله عن ربه، والمراد من الآية ليس هو الأول، لأن الإنسان قد ينال الثروة فلا يزيد إلا تواضعاً كسليمان عليه السلام، فإنه كان يجالس المساكين ويقول: مسكين جالس مسكيناً وعبد الرحمن بن عوف ما طغى مع كثرة أمواله، بل العاقل يعلم أنه عند الغنى يكون أكثر حاجة إلى الله تعالى منه حال فقره، لأنه في حال فقره لا يتمنى إلا سلامة نفسه، وأما حال الغنى فإنه يتمنى سلامة نفسه وماله ومماليكه، وفي الآية وجه ثالث: وهو أن سين {استغنى} سين الطالب والمعنى أن الإنسان رأى أن نفسه إنما نالت الغنى لأنها طلبته وبذلت الجهد في الطلب فنالت الثروة والغنى بسبب ذلك الجهد، لا أنه نالها بإعطاء الله وتوفيقه، وهذا جهل وحمق فكم من باذل وسعه في الحرص والطلب وهو يموت جوعاً، ثم ترى أكثر الأغنياء في الآخرة يصيرون مدبرين خائفين، يريهم الله أن ذلك الغنى ما كان بفعلهم وقوتهم.
المسألة الرابعة: أول السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال، وكفى بذلك مرغباً في الدين والعلم ومنفراً عن الدنيا والمال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5